في العام 1920 تمكن الطبيب الكندي فريديريك بانتينج، والحاصل على جائزة نوبل في الطب، من تشخيص مرض السكري لأول مرة، بعد أن حير البشرية قروناً طويلة. ومن وقتها، لم تتوقف جهود الأطباء في محاولة التغلب على هذا المرض، أو إيجاد طرق للتعايش معه.
مرض السكري مرض مزمن. إذ يتحتم على المصاب به أن يتعايش معه مدى الحياة. يقول بعض الأطباء أنه من الأفضل أن يتم اعتبار مرض السكري كصديق. وبما أنه صديق ملازم طوال العمر… إذاً من الأفضل أن تكون علاقة المرضي به جيدة، وأن لا يأمنوا غدره.
من الأفضل للمريض أن يتأكد من أن مرض السكري تحت المراقبة والملاحظة الدائمة. لأن خروجه عن السيطرة يؤدي إلى مضاعفات خطيرة تتضمن مشاكل في العظام، شبكية العين، الأعصاب، الكلي، الشرايين، وغيرها. كل تلك المضاعفات تلقي بظلالها بالطبع على الصحة النفسية للمريض، التي بدورها تؤثر على مستويات السكر في الدم، وهكذا يدور المريض في حلقة مفرغة من التعب والألم.
التعايش مع مرض السكري يتطلب تغيرات جذرية في نمط الحياة. فبادئ ذي بدء، يجب الانتباه للنظام الغذائي الخاص بالمريض، وممارسة الرياضة المناسبة لحالته الصحية. كما أن تخفيض الوزن يساعد بشكل كبير في التخفيف من مقاومة الجسم للأنسولين. والخطوات التالية لا تقل أهمية عن الخطوة الأولى، ألا وهي اتباع جدول الدواء العلاجي، مراقبة تركيز الجلوكوز في الدم وخاصة في الصباح، وبالطبع… المتابعة مع الطبيب المعالج بانتظام.
يبدو ذلك مجهوداً كبيراً… أليس كذلك؟ لحسن الحظ، أصبحنا نعيش الآن في عصر أصبح فيه التطبيب عن بعد متطوراً ومتاحًا بشكل معقول للجميع. لنستكشف سوياً كيف يمكن أن نستخدم التطبيب عن بعد لجعل حياة مرضى السكري أسهل.
زيارة الطبيب الافتراضية
متابعة الطبيب المعالج لمريض السكري ضرورية للغاية. فالانتظام بجدول الزيارات يجعل الطبيب على دراية بتطورات الحالة الصحية للمريض، ومن ثم اتخاذ القرارات المناسبة. ولكن الزيارات الدورية قد تشكل ضغطاً على المريض وأسرته، خاصاً إذا كانت المسافة بين المريض والطبيب بعيدة. صعوبات الحصول على ميعاد متوفر، ساعات القيادة الطويلة، الانتظار بالعيادة، ومخاطر التقاط عدوى فيروس كرونا المستجد تجبر العديد من المرضى على عدم الانتظام في الزيارات الطبية. بمساعدة التطبيب عن بعد، يمكن للمريض أن يقوم بمقابلة طبيبه المعالج وهو في منزله. ويمكن للطبيب متابعة كل تقارير المريض، وعلاماته الحيوية المخزنة، ومن ثم يقدم توصياته الجديدة.
تخزين المعلومات الحيوية للمريض
تقوم أجهزة مراقبة المريض عن بعد Remote Patient Monitoring بتخزين معلومات المريض الحيوية المهمة مثل (مستويات الجلوكوز في الدم، ضغط الدم، وغيها) بشكل دقيق وعلى مدار الساعة، مع الحفاظ طبعاً على سرية تلك المعلومات. يستطيع الطبيب المعالج بعد ذلك أن يستخرج كل تلك المعلومات للقيام باتخاذ قرارات دقيقة ومناسبة للحالة الصحية لمريض السكري. يمكن أيضاً تخزين التقارير الصادرة من معامل التحاليل الطبية، صور لشبكية العين وللجروح السابقة إن وجدت، بالإضافة للأعراض السابقة، شكوى المريض، والوصفات الطبية السابقة والحالية. لا يوجد شك بأن توفر التاريخ الطبي الكامل للمريض بشكل منظم وفعال سيؤدي لخطة علاجية أفضل تصب في صالح مريض السكري.
متابعة أسلوب الحياة
لا يقتصر دور التطبيب عن بعد في قياس العلامات الحيوية فقط، بل يمتد أثره إلى ما هو أبعد من ذلك. وكأنك استعنت بمساعد شخصي في المنزل، تقوم التطبيقات بتنبيهك حينما يأتي موعد الجرعات العلاجية، تتابع التزامك بممارسة التمرينات الرياضية، كما أنها تقوم بتثقيفك طبياً بطبيعة المرض، كيفية التعايش معه، مضاعفاته، ونصائح كثيرة من خلال المكتبة التي تحتوي على مواد تعليمية مقروءة أو مرئية. كما تمكنك من التواصل مع خبراء آخرين لأخذ المشورة.
الحديث عن المساعدات الهائلة التي يقدمها التطبيب عن بعد لمرضى السكري لا ينتهي. فما زال هناك العديد من الإمكانيات التي تجعل من حياة المرضي أسهل